الضفة المحتلة - قُدس الإخبارية: لا يمكن للثورة أن تبقى مشتعلة بلا حطب يضمن استمرار بقائها، فالكل يجب أن يبقى في استعداد مستمر للتضحية، هذه هي قناعات الأسير المحرر أحمد نصر 54 عاما من كفر نعمة غرب رام الله، فاستحق من رفاقه في الأسر لقب "حطب" إلى أن مرّ خبر وفاته أول أمس في أحد مراكز توقيف بيت لحم كأي خبر عابر.

يملك نصر مكتبة في عمارة الميدان في رام الله، كانت بالنسبة له مصدر دخله الوحيد، خاصة وأنه من ذوي الاحتياجات الخاصة، وحتى لا يوكل هم لقمة عيشه إلى حد، كان يقضي معظم وقته فيها يجمع ما يكفيه لـ"شراء رغيف الخبز" كما كان يقول، ويوزع ما تبقى من مال على الفقراء ومن يحتاج.

تعرض نصر للاعتقال على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي أكثر من خمس مرات، كان آخرها في عام 2015، حيث أفرج عنه في عام 2016 بعد قضائه عدة شهور في الاعتقال الإداري، لكن رحلة اعتقالاته كانت قد بدأت في تسعينيات القرن الماضي. 

ولم يسلم نصر رغم وضعه الصحي والمالي من الاستغلال، فتعرض لعملية احتيال اضطرته للبقاء مدانا حتى يوم وفاته، وهو ما يفسر اعتقالاته المتكررة لدى السلطة الفلسطينية على خلفية ما استحق عليه نتيجة ما تعرض له من عملية نصب واحتيال. 

وفي عام 2019 داهمت قوة من جهاز المخابرات العامة مكتبته في مدينة رام الله وصادرت نسخا من كتاب "درب الصادقين" للأسير محمد أبو طبيخ، بتهمة القيام بأعمال غير مشروعة، وهو ما فاقم ديونه التي كانت ترهقه أصلا نتيجة عملية الاحتيال المذكورة. 

وأول أمس السبت، أصدرت الشرطة الفلسطينية بيانا قالت فيه، إن النيابة العامة فتحت تحقيقا بملابسات وفاة نزيل من مركز إصلاح وتأهيل بيت لحم، في مستشفى بيت جالا الحكومي بعد تعرضه لوعكة صحي نقل على أثرها إلى المستشفى، في الوقت الذي نفت فيه المستشفى هذه الأنباء قائلة على لسان مديرتها غادة كوع، إن نزيل مركز الإصلاح والتأهيل أحمد نصر، الذي أعلنت الشرطة عن وفاته "وصل المستشفى متوفى وليس كما ورد بأنه نقل على إثر وعكة صحية".

وكتب الكاتب وليد الهودلي في نصر قائلا: "حطب المرحلة أحمد نصر يغادر دنيا الظلام ويتحرّر؟!... في الثورة من هذا وذاك وصاحبنا اختار أن يكون حطبا للثورة ولهذا سمّاه المقربون منه بهذا اللقب: الحطب، لم يحظ بالأسماء الكبيرة اللامعة ولم يدّع له دورا في الثورة إلا الحطب، لم يدّع أنه أبو القسّام ولا أبو الجهاد ولا أبو الفلسطين ولا أبو المعمعان ولا أبو الثورة".

وأضاف الهودلي: "لم تظهر عليه أثر نعمة أو شذى طيب من أوقات استراحة المجاهد، كان الناظر إليه لا يرى إلا التعب والنّصب ولا يشتم إلا رائحة غبار السجن والمعركة، كان لا يرى إلا دخان النار التي يحترق فيها الحطب، ولا يسمع إلا طقطقة الحطب الذي يتفسّخ من ليب نار المعركة".

وكتب الناشط المقدسي عنان نجيب قائلا: "جهاز المخابرات الفلسطينية يتحمل الجزء الأكبر من مأساة أحمد نصر، حيث صادر في يوليو 2019 كتاب درب الصادقين من المطبعة واعتقل "أبو الحست" بتهمة طباعته لكتاب أسير، وخرج متكبدا المغارم والديون".

وأشار نجيب، إلى أن نصر تعرض لسرقة مكتبته التي كانت مصدر دخله الوحيد.

وبحسب بلال أبو بكر، فإن نصر ظلم "على يد الجهاز القضائي الفاسد، وظلم لدى منظومة الاحتجاز في شرطة بيت لحم، بسبب الإهمال الطبي وغياب العناية بالسجناء المرضى في سجون السلطة".

وقال الأسير المحرر محمد النجار ،إن نصر كان يعرف بلقب "الحطب" لأنه كان يعتبر حطب ووقود الثورة، فكان يعشق الكتب والقراءة.

وكتب عنه الأسير المحرر محمد بدر: "عندما سمعت خبر وفاته توقعت سببا من سببين للوفاة، إما بفيروس كورونا وباء العصر، أو بجلطة سببها وباء القهر.. بدأت قصته قبل عدة سنوات عندما اعتقله الاحتلال، فأوكل آخرين في مكتبته التي كان يعتاش منها، خاصة وأنه من ذوي الاحتياجات الخاصة، فكانت المكتبة بالنسبة له شيئا وحيدا متاحا للرزق، ويبدو أن تلك الفترة قد سببت له عجزا ماليا كبيرا لأنه لم يكن يدير ويشرف على إدارة ماله".

وأضاف: "ومنذ ذلك الحين وحتى وفاته يحاول أبو الحسن أن يداري لقمة عيشه وديونه التي استحقت بعد غيابه عن مكتبته، فجاء الموت ليريحه من الناس".

وقال المحامي مهند كراجة: نصر المثقف الأسير المحرر، صاحب المكتبة، المعتقل السياسي، بسيط من ذوي الاحتياجات الخاصة، يلقبونه بـ"الحطب".